بسم الله الرحمن الرحيم
بنو هــلال قديما وحديثا .. للشيخ حمد الجاسر
هذا المقال منشور في مجلة العرب ج1و2 س 21 .. رجب 1406هـ
وجه الابن الكريم محمد بن عبدالله الحويل من بلدة صمخ في منطقة بيشة إليّ وإلى أخي الأستاذ عبدالله بن خميس ، في مجلة " اليمامة " – ع926 بتاريخ 19 صفر 1407هـ - سؤالاً عن بني هلال : عن مساكن القبيلة القديمة وعن العلاقة بين من سكن البلاد التونسية وسكان بلادنا المنتسبين إلى تلك القبيلة ، كما أشار إلى ما كتبه الأخ محمد اليحيا الهلالي ، ونشر في هذه المجلة – ع 923 بتاريخ 27 المحرم 1407هـ من ان أحد فروع بني هلال لا زالوا مقيمين على ساحل البحر الأحمر في تهامة من بلادنا . وبعد توجيه الشكر السائل الكريم على حسن ظنة . وعلى اهتمامه بتاريخ فرع من فروع أمتنا الكريمة لا يتوقف الاهتمام به على من ينتسب إلى فرع من فروعها ، بل يشمل كل من يحرص على صيانة كل ما للأمة من تراث نافع – أوضّح بعض الأمور التي أرى أنه ينبغي للباحث في أنساب القبائل أن يلاحظها .
الأمر الأول : - أن تاريخ القبائل بما في ذلك تدوين أنسابها قد انحصر الاهتمام به في العصور الأولى حتى القرن الرابع الهجري ، فقد ألّفت في ذلك العهد مؤلفات كثيرة تسجل أنساب القبائل ، وتلحق الفروع بالأصول ، وتسلسل أنساب المشاهير من سادة وعلماء وشعراء وغيرهم حتى تلحقهم بأصول قبائلهم .
وكان الاهتمام بذلك قائماً على كون علم النسب هو أساس علم التاريخ عند العرب في أول نشأته ، فليس المقصود منه سرد أسماء الأباء والأجداد وتفريعهم ، وإنما كان يراد منه ذكر المشاهير في كل قبيلة ، وذكر ما لهم من الصفات التي أبرزتهم في أي مجال من مجالات الحياة كالفرسان والشعراء والكرماء وغيرهم ممن يتصفون بالصفات الحميدة لكي يتخذوا قدوة لغيرهم . وكان العلماء الذين قاموا بتأليف كتب النسب في تلك العهود على صلة قوية بالقبائل ، منهم من خالطها في منازلها ، ومنهم من أجتمع برؤسائها أو بعض علمائها في حواضر الخلافة في المدينة ودمشق وبغداد وفي البصرة والكوفة واليمامة وصنعاء ، وغيرها من مدن المملكة الإسلامية المشهورة في ذلك العهد ، ولذلك جاءت مؤلفاتهم على درجة من الإتقان والصحة ، كما نراه في مؤلفات ابن الكلبيّين ، والزبيريين والهجريِّ ، والهمداني وغيرهم من متقدمي علماء النسب أو من روى عنهم كالبلاذري وقبله أبو عبيد والقاسم بن سلام .
ثم بعد ذلك ضعفت الصلة بقبائل الجزيرة حيث ضعفت الخلافة ضعفاً كان من أثره أن عادت الجزيرة إلى ما يشبه حياتها قبل ظهور الإسلام من حيث العزلة ، وانتشار الفوضى ، واستشراء العداوة بين قبائلها حتى أصبح الاتصال بهذه القبائل لمن هو خارج تلك البلاد من أصعب الأمور ، ومن هنا خفيت معالم الحياة في هذه البلاد عن المهتمين بتدوين مظاهرها ، ومن ذلك علم النسب . وليس معنى هذا أنه لا يوجد في تلك العصور من تصدي لتدوين ذلك العلم وإنما المراد أن المعنيين بهذا الأمر عوَّلوا على ما وجدوه من مؤلفات المتقدمين عن عرب الجزيرة ، واقتصرت إضافتهم على أشياء يسيرة ذات أصالة ، ومن هنا توقف تدوين أنساب القبائل التي لا تعيش خارج جزيرتها ، بينما تلقف المهتمون بهذا العلم من بعض فروع القبائل النائية ومن بعض العلماء الذين تسنى لهم الوصول إلى المدينتين الكريمتين للحج تلقفوا جوانب يسيرة من علم النسب عن سكان الجزيرة ، ليست من الصحة بالدرجة التي كانت عليها كتب الرعيل الأول من علماء النسب .
ولهذا فليس غريباً أن نجد في كثير من المؤلفات التي ألِّفت في عهود متأخرة " كجمهرة النسب لابن حزم " ونهاية الإرب " للقلقشندي ثم بعده " سبائك الذهب " أن نجد فيها بعض المآخذ عن أصول بعض القبائل الصريحة النسب ، كما نجد في مؤلفات ابن سعيد وابن خلدون وغيرهما عن انتقالهما عن مواطنها القديمة ، ما يحتاج إلى تثبت .
من هنا فإن الباحث في علم النسب ينبعي له أن يدرك الفرق بين مؤلفات هذا العلم في عصوره الأولى وبين ما ألِّف بعد ذلك في حالة انعزال سكان الجزيرة عن العالم انعزالاً يجعل ما ينقل من اخبارهم وأحوالهم عن الذين يعيشون خارج جزيرتهم محل تعمق في البحث والتحقيق لإدراك مدى صحته .
الأمر الثاني : - وقع الاختلاط بين أنساب العرب منذ أن بدأ علماء النسب بتدوين تلك الأنساب ، ومن أسباب هذا الاختلاط التجاور والتحالف بل حتى التشابه في الأسماء ، فقد أشار علامة اليمن الحسن بن أحمد الهمداني وهو من علماء القرن الرابع الهجري إلى أن اتفاق القبيلتين في اسم قد يدفع إحداهما إلى الانتساب إلى الأخرى ذكر ذلك في كتابه " صفة جزيرة العرب " حين تحدث عن ( الأجعود ) وهؤلاء بطن مِنْ حمير من قحطان ، فذكر أنهم ينتسبون إلى بني جعدة من بني عامر بن صعصعة ، فأوضح هذا الخطأ وأشار إلى وقوع كثير من القبائل فيه .
ولا يزال هذا الأمر موجوداً بين قبائل عهدنا كما هو الحال في قبيلة بني خالد ، فهي فروع مجتمعة عدنانية وقحطانية تنتمي إلى أجداد مختلفين كل منهم اسمه ( خالد ) .
الأمر الثالث : - أن القبائل العربية كانت إلى عهود قريبة تختص كل قبيلة بمساكنها ومراتعها ، وكان هذا الأمر متوارثاً منذ العهد الجاهلي ، فكان علماء النسب المتقدمون يرون أن مهد بني عدنان هو الحجاز ، ثم انتشروا منه في نجد ، وانساح منهم فروع خارج الجزيرة في العراق والشام ومصر ، ويرون أن مواطن بني قحطان اليمن ، ومنه انتشروا في الحجاز وفي نجد ، فسكنت طوائف من قضاعة من قحطان ممتدة على ساحل البحر من غرب المدينة المنورة حتى بلاد الشام ومنهم جُهينة وبلي ، وبنو عذرة وبنو القين ، وبنو كلب .
ومن قحطان من انتقل من اليمن إلى وادي طريب شرقي بلاد عسير ثم إلى الجبلين أجأ وسلمى ، وهؤلاء قبيلة طيء التي استقرت في الجبلين ، ولا تزال بقايا القبائل القحطانية المذكورة في مواطنها القديمة .
فالمتقدمون يرون أن اتجاه القبائل في هجرتنا داخل الجزيرة نحو الشرق ونحو الشمال وإذا ذكروا من خالف هذا الاتجاه فعلى وجه الندرة والقلة ، ويعللون ذلك بأسباب غير طبيعية ، كما ذكروا عن أنمار بأنه نزح إلى السراة واستقر هناك وهو من أبناء نزار بن معد بن عدنان ، فكان أن اختلط بنوه ومنهم بجيلة وخثعم في القبائل اليمنية .
وذكر الهمداني أن بطوناً من بني عنز بن وائل من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان خالطت قبائل سراة الأزد ، فأصبحوا معدودين منهم ، وأوضح ذلك في كتابه " الإكليل " في الجزء الأول منه .
الأمر الرابع : - أن القبيلة العربية حين تغادر موطنها القديم قد يبقى من فروعها بقية في ذلك الموطن سواءاً احتفظ هذا الفرع باسم القبيلة أو انضوى في قبيلة قوية استولت على موطن قبيلته التي نزحت .
ويتضح هذا جلياً في كثير من القبائل التي لا تزال مستقرة في سروات الحجاز وفي بلاد اليمن بحيث أن كثيراً منها لم تغادر مواطنها القديمة ، ويرجع هذا الى أسباب لعل من أهمها حصانة تلك المواطن وتماسك سكانها القبلي .
أما في موطن القبائل التي لاتتصف بالحصانة كالحال في بلاد نجد فان أكثر القبائل القديمة ان لم يكن كلها لم يبق في مواطنها القديمة منها أحد سوى من انتقل من حياة " البداوة " إلى حياة التحضر والاستقرار، كبني تميم في منطقتي الوشم وسدير وحوطة بني تميم وفروع ربيعة المنتشرة في جبل العارض وغيرهما .
ومما لا شك فيه أن معرفة منازل القبائل في الجزيرة في العصور الأولى المعروفة التاريخ مما يعين على معرفة أنسابها.ومن هنا ينبغي البحث عن منازل قبيلة بني هلال ذات الشهرة التاريخية فيما بين أيدينا من المؤلفات .